صحيح أننا نحرص دائماً على الابتعاد عن السياسة التزاماً بنهجنا في رصد ومتابعة الإبداع في شتى مجالات الحياة، لكن حين يأتينا الإبداع في السياسة وحين نكون أمام لحظات تاريخية تمر على جزء غالي من وطننا العربي هو تونس، وجب علينا حينها أن نتوقف أمام هذا البلد الصغير حجماً العظيم مكانةً لنتابع أيضاً “الإبداع” لكن بصورة غير تقليدية!..
بدأ الأمر في 17 ديسمبر الماضي بشاب اسمه محمد البوعزيزي يبلغ من العمر 26 عاماً، حاصل على شهادة جامعية لكنه كملايين الشباب لم يجد عملاً فحاول توفير قوت يومه بعربة خضار وفاكهة صغيرة، لكن بلدية مدينته صادرت تلك العربة فما كان منه إلا أن أحرق نفسه ليشعل حريقاً هائلاً امتد ليشمل ربوع تونس كلها!
هذا التقرير من قناة الجزيرة يلخص تطور تلك الأحداث:
متظاهرون خرجوا من سكونهم طالبين العدل والحياة الكريمة، فردّت عليهم قوات الأمن بالرصاص الحي الذي أصاب رؤوسهم وصدروهم ليوصل لهم الأمن رسالة واضحة جداً..
سقط عشرات القتلى في مذبحة راح ضحيتها شباب في ربيع العمر وأساتذة جامعات ومواطنين لم يحملوا حتى عُصياً، بل أقصى ما امتلكوه أمام آلة القتل المنظمة تلك هي الحجارة!!:
استغربت كثيراً طوال الأيام الماضية موقف العالم مما يحدث في تونس، فتجاهل الجميع تلك المذبحة وأبدت الدول الكبرى “أسفها” للاستخدام “المُفرط” للقوة وكأنها تتحدث عن مباراة كرة قدم وليس أرواحاً بشرية تُزهق دون ذنب!
أدار العالم كله ظهره لشعب تونس ليبرز تساؤل كبير: قتلى بالعشرات وربما المئات.. نظام متمسك بالسلطة أياً كان الثمن.. اعتقالات واسعة.. تعتيم إعلامي كبير..
فهل تستمر الانتفاضة؟!.. وهل سيصمد الشعب بكل هذه التضحيات وهذا الثمن الباهظ من الشهداء؟
لتأتينا الإجابة أسرع مما تخيلنا:
نعم يمكن للقمة العيش أن تغير أنظمة الحكم..
ونعم لا نحتاج لموافقة أمريكا أو دعم أوروبا أو حتى العالم بأسره..
ونعم لا نحتاج لأحزاب ولا جماعات ولا نحتاج لخطط ولا مُزايدات..
رحل الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي بعد أن رفض الجيش تنفيذ أوامره بقتل أبناء بلده. هرب الرئيس الذي أسِفت إسرائيل على رحيله ليطوف بطائرته على غير هدى بعد أن رفض حلفاؤه استقباله في مشهد مهين للغاية (..)، لتُعلّمنا تونس أن عجلة التغيير يمكن أن تتحرك من أبسط الأشياء حتى لو كانت مجرد عربة فاكهة صغيرة لشاب لا يجد عملاً!
فتحية لشعب تونس الأبيّ ورحم الله شهداءه الذي قدموا أرواحهم فدءاً لوطنهم.. وأعانهم الله في تلك المرحلة العصيبة من تاريخهم..